أخبار عامة

التخطيط الاستراتيجي ومعرفة العدو والصديق

التخطيط الاستراتيجي ومعرفة العدو والصديق
.
آلية التخطيط الاستراتيجي هي آلية قديمة جدا وأول من كتب عنها ووصلت لنا كتابته هم الصينيون، وكان هذا من آلاف السنين، واستُخدمت الاستراتيجية في الحرب أول الأمر، ولكنها تطورت عبر الأزمنة والعصور، والحقيقة أنها آلية فعالة في كل المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية وحتى الفردية والعائلة والاجتماعية مما يعطينا إشارة هامة أنها أقرب ما تكون لسنة كونية وقانون إلاهي يُساعد البشر
.
وغياب الخطة الاستراتيجية له تداعيات هائلة، ومن أهمها عدم القدرة على تحديد العدو من الصديق، الحليف من الخصم، المفيد من الضار، في البشر والعلاقات والتحركات
فعندما تحدد الرؤية (أو الهدف الاستراتيجي العام) يمكنك ساعتها معرفة من له مصلحة أو نية أو رغبة في الوقوف معك لتحقيق هذا الهدف، ومن تتضارب مصالحه وأهدافه مع هذه الرؤية، وبالتالي سيكون خصما وعدوا لك، أو ما هي نقاط الالتقاء مع خصمك أو عدوك في هذه الرؤية، وما هي نقاط الافتراق فيها، وكيفية التعاون في نقاط الاتفاق وعدم التعاون في نقاط الافتراق
وكذلك الرسالة والقيم هي محددات مهمة تساعدك في معرفة من يتقاسم معك هذه الرسالة والقيم ومن هو على النقيض من ذلك، أو أين هي نقاط الاتفاق والاختلاف
.
ولكن هذا الموضوع صعب جدا إدراكه على أغلب الناس، لأسباب كثيرة من أهمها:
1- عدم وجود خطة استراتيجية أصلا لكل المشاريع والأعمال والنضالات التي يخوضها الناس، فهم أقل فكريا وعقليا من وضع هكذا خطة، والتكبر والغرور يمنعهم من اتباع خطة لو اقترح عليهم أحدهم رؤية واستراتيجية
2- سيطرة فكرة التعميم والحلول الصفرية على طريقة التفكير، فهم يرون كل شيء إما 0 أو 100، فالطرف الآخر إما صديق 100% أو عدو 100% وغير قادرين على رؤية الصداقة والتعاون بتدرجات متعددة، ولا رؤية العداوة والخصومة بتدرجات متعددة، وهذا سببه عيب في التركيبة الفكرية، وينشئ بسبب التربية وطريقة التفكير الطوباوية المثالية (رؤية البشر على أنهم إما شيطان وإما ملاك، بينما البشر هم شيطان وملاك متداخلان ويتبادلان الأدوار في كل موقف وحكاية، وينطبق هذا على دور الأب والأم والأخ والزوجة والولد والصديق والعدو،
قال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
3- عدم القدرة على التعامل مع التفاصيل الدقيقة والرؤية المجهرية للأحداث والمشاريع والخطط والتحركات والأفكار والمواضيع، ولأن هذه القدرة تحتاج قوة عقلية وذكاء بدرجة جيدة، وهي مرهقة على الشخص العادي وتحتاج الكثير من العمل والدقة والصبر، لذلك يزهد فيها أغلب الناس، والتعميم أبسط وأسهل ولاحظ معي هذه العيوب الفكرية وعدم القدرة على التوازن في النظرة والرؤية حين يجري نقاش في أي من المواضيع التالية: (التنمية البشرية، الإسلام، اليهود، البوذية، داعش، الغرب، أصحاب جنسية ما، حقوق المرأة، نظرية التطور، العلمانية، الربا والبنوك والاقتصاد، العلاقات الجنسية، التقنية أضرارها ومنافعها، المرض النفسي، المثلية، الحرية، السياسة وغيرها الكثير)
.
واليوم ظهرت هذه العيوب الفكرية بشكل فاقع، بسبب انتشار وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وأصبح الملايين قادرين على التعبير عن أفكارهم ومشاريعهم ومؤسساتهم بصفحة فيس بوك أو موقع الكتروني أو حديث إعلامي، حيث يظهر للمراقب أن التعامل مع المسائل الكبيرة والصغيرة والأحداث السياسية والاجتماعية والفكرية والدينية يتم من خلال كلام عام وأحكام مسبقة وتفريغ للكبت النفسي لا أكثر، وهذه نظرة خاطئة ومضرة للأمور ولن تؤدي لأي نجاحات أو إيجاد أي حلول حقيقية
.
والله يعين الناس كلهم بكافة درجات وعيهم، فكل مُيسَّر لما خُلق له، وأنا أظن أن الجاهل والعالم، والواعي والمُغيب، كل يقوم بدور مهم في تطور الحضارة البشرية سواء أدرك ذلك أو لم يُدركه، فالتوازن هو القانون المسيطر على الكون، ولولا وجود الشر والاشرار لما كان للخير أي معنى، ولولا وجود الضلال والمُضلِّلِّين لما كان للهداية أي فائدة
ولكن لو استطعت أن تكون في جانب الخير والهداية فهذا نجاح وتوفيق من الله سبحانه وضع لنفسك خطة ورؤية ورسالة وقيم حتى لا تضيع جهودك وتفقد البوصلة التي تُعرِّفك صديقك من عدوك، ومن هو معك في رؤيتك ومن هو ضدها، والدرجات الكثيرة التي بينهما
.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى