الدكتور رضا عبدالسلام محافظ الشرقية الأسبق المرأة المصرية وعودة مصر الجميلة
الدكتور رضا عبدالسلام محافظ الشرقية الأسبق
المرأة المصرية وعودة مصر الجميلة
ستعود مصر عندما تعود هذه المرأة!!!
بمناسبة اليوم العالمي للمرأة..هذه هي المرأة الجميلة التي أعرفها..والتي تستحق كل الحب
(رواية قصيرة نشرتها وأعيد نشرها لنستمتع…ونتذكر)
كان قصير القامة، نحيف الجسم، غريب الهيئة، يعني فيه كل العبر كما نقول بالعامية، ولكنني كنت أرى في عينيه غرور وكبرياء الأخ في الله “هتلر بتاع ألمانيا”..إزاي ما أعرفشي!
الغريب أنه رغم كل تلك الصفات، كنت أعرف أنه متزوج من سيدة بيضاء جميلة طويلة جدا بالنسبة له، لو مالت عليه لأفنته أو لأخفته، ومن يراهما معا على طريق، قطعا سيعتقد أنه ابنا ممسكا بجلباب أمه!!
هذا الرجل الاسطورة كان من عزبة مجاورة لنا…كنت أراه راكبا حمارا أشبه بالجمل أو الحصان، وهو من فوقه أشبه بعصفور فوق عمارة 20 دور!!
زاد تعجبي عندما رأيته يوما راكبا هذا الحمار الحصان، في حين كانت زوجته الجميلة الطويلة تيسر وتهرول على قدميها، ممسكة بطرف جلبابه، وهو راكبا رافعا أنفه وحاجبيه إلى عنان السماء…فزاد غيظي.
لقد جن جنوني…الغريب أنه رغم كل تلك الصفات كنت أراه انيقا في مظهره بجلبابه الأبيض ناصع البياض، واضح انه محشور لأكثر من أسبوع بين مرتبة السرير واللحاف الصوف، حتى ظهر وكأنه خارج من عند احسن مكوجي من بتوع اليومين دول…
أما طاقيته الصوف، فقد كانت دائما بنية اللون، والتي كانت تقريبا نصف طوله، وربما كانت هي الأخرى تقريبا إلى جوار الجلباب تحت المرتبة.
كنت كلما رأيت هذا الرجل يجن جنوني، أموت وأعرف السر…كانت قناعتي انه يعوض النقص الذي يعاني منه بظهوره بهذا الشكل، وأنه في البيت تدهسه تلك السيدة اللي هيه خمسة أضعافه.
وكانت الفرصة التاريخية بعد تخرجي من الجامعة، وبحكم أن الكل عرف ان الواد رضا ابن الحاج عبد السلام الغنام طلع الأول على كلية الحقوق، فالكل في البلد وفي العزب المجاورة كان عارفني ويتمنى أن أدخل بيته…أو هكذا كنت أرى.
في يوم كنت اتمشى أنا وصديق لي من أمام تلك العزبة، وتحديدا من أمام منزل هذا الرجل الذي حيرني أمره…فإذا به ينده علينا بصوت عال اتفضلوا…الحقيقة هي أنني لم اكذب خبرا…الفرصة جت لي لغاية عندي…أي والله كده.
لقد ألح الرجل في طلب أن نتعشى مع بعض…نحن تظاهرنا بالرفض والشكر والتقل…إلى أن دخلنا عش هذا الرجل الذي حيرني أمره.
من عادته انه كان يفرش الحصير وسط حوش به زرع أخضر أمام المنزل…اجلسنا معه على الحصير…فإذا به ينده بصوت قوى، كنت أعجب من أين خرج هذا الصوت….يا أم أحمد جهزي العشاء فورا…فإذا بي أراها تخرج مسرعة الينا في هذه الخلوة …وترد “من عينيه يا ابو أحمد… يادي النور يادي الهنا…دا احنا زارنا النبي”.
المشهد غريب وزاد استغرابي عندما رأيتها بهذه اللهفة الأقرب للخوف…وهو نطق الكلمة وأعطاها الأمر وعاد للحوار معنا في سكينة تامة وكأنه غير معني”
ماهي الا دقائق معدودة حتى خرجت ست الكل الينا بالصينية المحملة بكل مالذ وطاب من خير صنعته بيدها…قام من جلسته ووضع معها الصينية على الحصير، قائلا لها بحنية على مهلك يا أم أحمد…
بدأنا الأكل فإذا بأم أحمد تقف خلف أبو أحمد كما الحارس الشخصي، وفي يدها القلة المملوءة بالماء…زاد جنوني.. لم نشعر أن الأمر غريب بالنسبة له…كل ما كان يفعله أنه يمد يده للخلف من حين لأخر، فتناوله القلة ليشرب بالهناء والشفاء…
قبل أن تنتهي من طعامنا اختفت أم أحمد للحظات، وعادت بالطشت النحاس والأبريق النحاس…فتعازمنا لنغسل أيدينا…كانت أم أحمد: يد فيها الأبريق والأخرى فيها الفوطة…المشهد يصعب وصفه، ولكن ببساطة كنت أرى هذه السيدة العظيمة شكلا وموضوعا تتحرك حولنا في سعادة كما الفراشة الجميلة.
هنا أعتقدت للحظات أن هذا الرجل لديه أمراض نفسيه لدرجة أنه ركب هذه السيدة ميت عفريت، فصارت هكذا كما العبيد…ولكن المشكلة أنني كنت أراها تتحرك وتطير من حولنا في سعادة غامرة…كنت أرى السعادة والترحيب تكاد تنطق بها عيونها.
المهم بعد أن فرغنا من الطعام، حملته أم أحمد للداخل وعادت إلينا بصينية الشاي، ثم دخلت لدقائق وعادت الينا في حلة جديدة في ثوب ألوانه جميلة….
فإذا بأبو أحمد ينظر إليها في غزل ويضرب بيده على الأرض، ويقول لها تعالي جنبي هنا يأم أحمد. ..رأيت الخجل في عينيها وهي فوق سن الخمسين…رأيت الدم يكاد يخرج من وجنتيها…
جلست ست الكل إلى جواره فسمعته يقول لها ربنا يخليكي لينا يا ام أحمد…انتي أيدي ورجلي وهو يطبطب على ظهرها…في لحظة من عمر الزمن رأيت هذه السيدة تشرنقت وتقلص حجمها إلى جوار أبو أحمد الذي بدا إلى جوار ها كما الهرم….ما هذا؟! إنه الحب في أبهى معانيه.
المشهد واضح جدا….بات شديد الوضوح بالنسبة لي….هذا هو الحب…هذا هو العشق الفطري…هي أعطته قدره واشعرته وأشعرتنا أن زوجها هذا كما الهرم بل كما الاسد، وهو لم يفوت الفرصة وفي ذات الجلسة أعطاها قدرها فجعلها سيدته وولية نعمته…ولم ينقص من قدرهما شيء.
هنا أدركت لماذا يظهر هذا الرجل بهذا المظهر…لم تكن عقد نفسية ولا أمراض كما كنت أعتقد خطأ، بقدر ما هي ثقة بالنفس…زوجة وفية طائعة تعرف معنى كلمة زوجة…
لم يفتنها مظهرها أمام مظهره، بل أشعرته في الداخل والخارج بأنه هو أبو الفوارس عنتره…وهو لم ينسى أن يعلمنا بأن ماهو فيه من نعمة يعزى لهذه الزوجة العظيمة…فشعرت امامنا انا ما تقدمه مقدر وفي قلب زوجها أبو أحمد….هنا اكتملت الحلقة.
هذا هو الحب…الحب ليس كلمة تقال…الحب إخلاص وعطاء بلاحدود من الطرفين…الحب تقدير وتفكير فيما يحتاجه الطرف الآخر قبل التفكير فيما يحتاجه هو…الحب ليس فيه حديث عن حقوق…بل أداء لواجبات وقبل كل ذلك احترام وتقدير.
رأينا في هذه التجربة الفطرية لزوجين فوق الخمسين كيف يكون الاحترام وكيف يكون التقدير رغم أنهما لم يدخلا المدارس ولم يحصلا على أعلى الدرجات العلمية…هذان الزوجان تعلما في مدرسة الدنيا ومدرسة الأصول المصرية…
البطل الحقيقي في هذه الرواية هو حواء ، التي صنعت الجمال وجعلت للحب معنى.
لولا أن هذه السيدة شربت من معين أمها تلك القيم لما حملتها لزوجها…وكذلك الزوج الذي لم يواصل رحلة العنجهية، ولكنه في لحظة سمو وحنو رأيت الدمعة تكاد تخرج من عينيه وهو يطبطب على ظهر أم احمد، عندما عاكسها أمامنا بقوله احنا من غير أم أحمد ولا حاجة…لقد شعر الاثنين بالرضا عن الآخر…هكذا يكون الحب هكذا يكون العطاء…فهل من متعلم؟! …دمتم بألف خير وسعادة.